تخيل أن تعثر على صندوق يعلوه الغبار والتراب، ولما تفتحه تجده مليئًا بالحُلِي والقطع النقدية التي تم الاحتفاظ بها في زمن سابق. في عالم المال، يوجد صناديق مشابهة تسمى المخصصات والاحتياطيات، كل منها يحتفظ بموارد للمستقبل، ولكن لأسباب مختلفة تمامًا.
فلنفترض أنَّ عميلاً قد اشترى غسالة من متجرك، وقد قدمت له ضمانًا على تلك السلعة. وفي أحد الأيام، عاد إليك مشتكيًا من أنَّ هذه الغسالة قد أصبحت تسرب الماء من أكثر من مكان. أنت قد ضمنت هذه السلعة، وتعهدت للعميل بإصلاح أي خلل قد يحدث بها؛ لكن من أين ستغطي نفقات الإصلاح تلك؟
هنا يظهر لنا ما يُسمى بـ “المخصصات”.
رجل الأعمال الحصيف يُقدر التكلفة التي قد يدفعها لإصلاح أي آلة يبيعها أو لإصلاح أصل متهالك من أصول منشأته، مع تخصيص بعض المال تحسبًا لذلك. إنَّها ليست تكلفة قد يدفعها على وجه التأكيد، ولكنَّها تظل تكلفة محتملة يجب الاستعداد لدفعها، مثل التجهيز لعاصفة تلوح في الأفق.
والآن، تخيل عملًا مزدهرًا يُدر أرباحًا وافرة، وصاحبه بدلًا من إنفاق كل قرش مكتسب منه، يقوم بإنشاء “احتياطيات”. هذه الاحتياطات أشبه بصناديق كنوز، يُجمَع فيها جزء من الأرباح من أجل تمويل الخطط المستقبلية، مثل: افتتاح فرع جديد، أو تحديث أنظمة البيع، أو حتى تلافي خسائر انكماش اقتصادي قد يحدث. هذه الاحتياطيات أشبه بذهب مدفون وجاهز للتنقيب عنه عند الحاجة.
لكن هنا تكمن المشكلة: هذه الصناديق، على الرغم من تشابهها، تحمل أسرارًا مختلفة. المخصصات تتعلق بأوجه عدم اليقين والالتزامات المحددة التي يمكننا (تقريبًا) أن نتوقع حدوثها. لكن على الجانب الآخر، الاحتياطيات تتعلق باحتمالات مجهولة الحدوث، سواءً كانت إيجابية مثل توسيع نطاق العمل، أم سلبية مثل حدوث تخبطات اقتصادية مفاجئة.
إذًا، بصفتك رائد أعمال، أيٌّ من هذين الصندوقين يُشكل مِفتاح مستقبلك المالي؟ هذا ما تقرره أنت بعد قراءتك قادم سطور هذا المقال، والذي ستعرف فيه ما الفرق بين المخصص والاحتياطي.
تعريف المخصص، وخصائصه الرئيسة
المخصص هو مبلغ تقديري يتم تخصيصه لتغطية التزام معروف ومحتمل، ولكنَّه غير مؤكد من حيث التوقيت أو قيمة المبلغ. الأمر أشبه بتخصيص مبالغ مالية لنفقات أو خسائر متوقعة، مثل مطالبات الضمان أو الديون المعدومة أو التسويات القانونية.
الخصائص الرئيسة للمخصص
- تغطية التزامات معروفة: يتم إنشاء المخصص لتغطية التزامات معروفة، مما يعني وجود فهم وتوقع واضح لحدوث نفقات أو التزام مالي في مرحلة ما من مراحل سير العمل، مثل: مطالبات الضمان، والديون المعدومة، والتسويات القانونية، وتكاليف صيانة المعَدات.
- عند عدم اليقين في التوقيت أو المبلغ: على الرغم من أنَّ وجود الالتزام معروف، فإنَّ التوقيت الدقيق لوقوعه أو المبلغ الدقيق له غالبًا ما يكون غير مؤكد؛ لذا تتطلب حالة عدم اليقين هذه إجراء تقديرات وحسابات لتحديد المبلغ المناسب للمخصص.
- آلية تقدير المبالغ: يتم احتساب المخصصات على أساس أفضل التقديرات الممكنة باستخدام المعلومات المتاحة والمعايير المحاسبية؛ بحيث تأخذ هذه التقديرات في الاعتبار عوامل مثل: الالتزامات السابقة ومعايير الصناعة والتحليل الإكتواري (إن أمكن).
- الخصم يتم من الإيرادات: يتم خصم مبلغ المخصص من إيرادات العام الحالي مما يقلل صافي الدخل المعلن. يعكس هذا مبدأ مطابقة النفقات مع الفترة المحاسبية ذات الصلة، حتى لو تم دفع المخصص في المستقبل.
- يشكل نوعًا من الإقرار بوجود خسائر محتملة: يؤدي إنشاء مخصص إلى الاعتراف بوجود خسارة محتملة مرتبطة بذلك الالتزام، حتى لو لم يتم دفع قيمة هذه الخسائر بعد؛ مما يوفر نوعًا من الشفافية في البيانات المالية، ويساعد المستثمرين والدائنين على تقييم الصحة المالية للمنشأة.
- قابلية التغيير: المخصصات ليست ثابتة، ويمكن تعديلها في فترات التقارير المالية اللاحقة إذا ما توفرت معلومات جديدة، أو تغيرت الظروف. تتيح هذه المرونة معرفة أكثر دقة للالتزامات المحتملة، وتضمن وجود إدارة مالية سليمة.
- أداة لإدارة المخاطر: تلعب المخصصات دورًا رئيسًا في إدارة المخاطر من خلال مساعدة المنشآت على توقع الخسائر المحتملة والاستعداد لها. ومن خلال تخصيص الأموال، يمكن لهذه المنشآت التخفيف من الأثر المالي للالتزامات المعروفة، والتأكد من أنَّ لديها الموارد اللازمة للوفاء بالتزاماتها.
تعريف الاحتياطي، وخصائصه الرئيسة
الاحتياطي هو مبلغ يُخصم من الربح، ويتم تخصيصه لحالات الطوارئ المستقبلية أو لأغراض استثمارية محددة. الأمر أشبه بتخصيص صندوق مالي لمواجهة التحديات غير المتوقعة، أو لتمويل مبادرات النمو المستقبلية، أو الاستثمارات الإستراتيجية.
- تغطية التزامات أو نفقات غير معروفة: بخلاف المخصص، لا يتم إنشاء الاحتياطي لتغطية أي التزام محدد ومعروف. وإنما تهدف هذه الإستراتيجيات إلى معالجة حالات الطوارئ المستقبلية التي قد تنشأ عن ظروف غير متوقعة، أو لتمويل نفقات مبادرات إستراتيجية لاحقة أو أهداف طويلة الأجل، مثل: التوسعات المستقبلية، أو شراء حلول تكنولوجية، أو الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير، أو التعافي من أثر تغيرات اقتصادية قد تحدث.
- التوجه نحو المستقبل: ليست الغاية من إنشاء الاحتياطي أن يُستخدم في العام الحالي؛ إذ يتم ضخ الأموال فيه مع مرور الوقت لكي يكون أداة مالية لتمويل الاحتياجات أو الفرص المستقبلية. هذا النهج الموجه نحو المستقبل يميز الاحتياطي عن المخصص الذي يؤثر بشكل مباشر على التقارير المحاسبية الحالية.
- مبالغ غير مخصصة: بخلاف المخصصات التي تعكس نفقات تقديرية محددة، عادة ما تكون أموال الاحتياطي غير مخصصة لأي نفقات أو مشروع محدد في وقت الإنشاء؛ مع إمكانية تحديد المبلغ لاحقًا بِناءً على الاحتياجات المحددة التي تنشأ.
- تعزيز المركز المالي: الغرض الأساسي من الاحتياطي هو تعزيز القدرة المالية للمنشأة؛ فمن خلال تجميع الأموال بمرور الوقت، يعمل الاحتياطي على تجهيز المنشأة للاستجابة للتحديات غير المتوقعة، والاستفادة من الفرص الناشئة، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية طويلة الأمد.
- معاملة محاسبية مختلفة: في حين يتم خصم المخصصات من إيرادات العام الحالي، يتم التعامل مع الاحتياطيات بشكل مختلف بموجِب المعايير المحاسبية. بشكل عام، يتم خصم الاحتياطي من الأرباح، ولكن لا يتم تحميلها بشكل مباشر، وإنَّما يتم الإبلاغ عنها كبند منفصل في الميزانية العمومية. وهذا يعكس طبيعتها الموجهة نحو المستقبل، بما يتجنب تشويه أرقام الدخل الحالية.
- الأهمية بالنسبة لأصحاب المصلحة: تخلق الاحتياطيات استقرارًا وحالة من الثقة لدى أصحاب المصلحة، بما في ذلك المستثمرون والدائنون والموظفون؛ فهي تدل على استعداد المنشأة لمواجهة التحديات المستقبلية، والالتزام بالنمو طويل الأجل، والقدرة على التغلب على حالات الارتباك الاقتصادي.
- الطبيعة الديناميكية: مثل المخصصات، قيمة الاحتياطيات ليست ثابتة، ويمكن زيادتها أو تقليلها مع مرور الوقت اعتمادًا على عوامل مثل: أداء العمل وتغيير الأولويات ونوع المخاطر التي قد تحدث؛ لذا فإنَّ عمليات المراجعة والتعديلات المنتظمة أمر ضروري لضمان أن تظل الاحتياطيات قادرة على تغطية تكاليف الغرض المقصود منها.
ما الفرق بين المخصص والاحتياطي
رغم أنَّ كلاهما عبارة عن أموال توضع جانبًا لتغطية التزامات معينة، فإنَّه توجد بعض الاختلافات فيما بينهما؛ لذا فإنَّ تحديد ما الفرق بين المخصص والاحتياطي من شأنه أن يساعد على فهم الأدوار التي يلعبها كل منهما لضمان الاستقرار المالي للمنشآت ونجاحها على الأمد الطويل:
-
الغرض
- المخصص: تغطية التزامات محتملة، ولكنَّها غير مؤكدة من حيث التوقيت أو المبلغ (على سبيل المثال، تكاليف إصلاح أو تسويات قانونية).
- الاحتياطي: التحضير للطوارئ المستقبلية أو غايات استثمارية محددة، والتي تكون غير معروفة وغير مخصصة في وقت إنشاء المخصص (على سبيل المثال، التوسعات المستقبلية أو عمليات البحث والتطوير أو حدوث انكماش في السوق).
-
نوع الالتزام
- المخصص: لتغطية نفقات التزامات متوقعة الحدوث، ولكن لا يُعرف وقت وحدوثها.
- الاحتياطي: لتغطية نفقات التزامات أو احتياجات غير مؤكدة الحدوث، أو غير متوقعة.
-
التوقيت
- المخصص: الالتزامات المتوقعة تكون خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًّا.
- الاحتياطي: لتلبية احتياجات مستقبلية محتملة دون إطار زمني محدد.
-
الكلفة
- المخصص: على أساس التكلفة المقدرة للالتزام المعروف.
- الاحتياطي: غير مقدرة، إذ يتم تحديد المبلغ لاحقًا بِناءً على احتياجات محددة.
-
التأثير على الربح
- المخصص: يخصم من إيرادات العام الحالي.
- الاحتياطي: يُخصم من الأرباح، لكن لا يتم تحميله مباشرة عليها، وإنَّما يظهر كبند منفصل في الميزانية العمومية.
إليكَ جدولاً يُلخص هذه الفروقات:
ما الفرق بين المخصص والاحتياطي؟ | ||
وجه المقارنة | المخصصات | الاحتياطيات |
الغرض | تغطية الالتزامات المعروفة | الاستعداد للطوارئ أو لأهداف محددة |
الالتزام | محدد ومعروف | غير مؤكد أو غير متوقع |
التوقيت | التزام متوقع في فترة زمنية قصيرة | احتياجات مستقبلية محتملة دون إطار زمني محدد |
المبلغ | يعتمد على التكلفة المقدرة للالتزام المعروف | يُحدد لاحقًا بِناءً على الاحتياجات التي قد تظهر |
الأثر على الربح | يتم خصمها من إيرادات العام الحالي | يتم تحميلها على الأرباح بشكل بند منفصل |
الهدف العام | تخفيف المخاطر ومعالجة التحديات المتوقعة | الجهوزية المالية واستغلال الفرص المستقبلية |
أسئلة شائعة
-
ما هي الجوانب السلبية المرتبطة باستخدام المخصصات والاحتياطيات؟
- المبالغة في تقدير المخصص: إنَّ تخصيص الكثير من المال لتغطية التزام ما قد يؤدي إلى تقييد الموارد والتأثير على الربحية.
- التقليل من المخصص: بالمقابل، عدم تخصيص ما يكفي من المال قد يؤدي إلى ظهور مشاكل مالية إذا انتهى الأمر بأن تكون تكلفة الالتزامات أكثر من المتوقع.
- إساءة استخدام الاحتياطي: إنَّ إنفاق أموال الاحتياطي في أي شيء غير الاحتياجات المستقبلية من شأنه إضعاف قدرة المنشأة على مواجهة التحديات المستقبلية.
-
كيف تؤثر المخصصات والاحتياطيات على أصحاب المصلحة؟
- المستثمرون: يمكن للمخصصات والاحتياطيات أن تكون دلالة على الاستقرار المالي للمنشأة وقدرتها على إدارة المخاطر، مما قد يجذب المستثمرين إليها.
- الدائنون: يمكن للاحتياطيات الكافية أن تحسِّن الجدارة الائتمانية للمنشأة وتزيد من قدرتها على الحصول على القروض.
- الموظفون: معرفة أنَّ المنشأة مستعدة ماليًّا لمواجهة التحديات المستقبلية من شأنه أن يعزز الثقة والروح المعنوية لدى موظفيها.
-
هل يوجد أنواع محددة للاحتياطي؟
بالطبع، نذكر منها احتياطيات رأس المال للنفقات الرئيسة، واحتياطيات الإيرادات لمواجهة التقلبات التي قد تحدث في الإيرادات، والاحتياطيات العامة للاحتياجات غير المتوقعة.
في الختام
إنَّ المخصصات والاحتياطيات، والتي كانت في السابق مصطلحات تذكر في الجداول المحاسبية، قد أصبحت الآن موضع تركيز بوصفها أدواتٍ أساسيةً لمواجهة الظروف المتغيرة التي قد تعصف بالشركات؛ لذا لم يعد كلتاهما مجرد أرقام على صفحة، بل أصبحتا بمثابة مرساة تضمن الاستقرار التنظيمي والمالي للمنشآت.
ومن خلال فهم ما الفرق بين المخصص والاحتياطي، ومعرفة أدوار كل منهما بدقة، يستطيع رواد الأعمال الوفاء بالتزاماتهم، ورسم مسار صحيح نحو استثمار الفرص المستقبلية.
وأنت، ألا تريد بصفتك رائد أعمالٍ إنشاء مخصص واحتياطي في منشأتك بأسهل الطرق وبكفاءة عالية؟ لقد جهزت ڤوم للمحاسبين ورواد الأعمال برنامج محاسبة سحابيًّا يمكِّنهم من القيام بذلك بطريقة سهلة في أي وقت، ومن أي مكان.
برنامج ڤوم السحابي معتمد من هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية، لذا يقدم أفضل الميزات لك خاصة، هيا لا تتردد، قدِّم عليه الآن، واحصل على خصم 90٪ لمدة 6 أشهر، دون أي تكاليف تُذكر.